الكوالا: مخلوق لا يشرب الماء وينام طوال اليوم – حقائق مدهشة وحكاية مهددة بالانقراض

الكوالا: مخلوق لا يشرب الماء وينام طوال اليوم – حقائق مدهشة وحكاية مهددة بالانقراض
المؤلف عالم الحيوانات
تاريخ النشر
آخر تحديث

الكوالا: مخلوق لا يشرب الماء وينام طوال اليوم – حقائق مدهشة وحكاية مهددة بالانقراض


















كوالا في غصن شجرة







    تخيّل... لا، لا تتخيّل، بل دع الصور تنهمر كضوء خفيف فوق غابةٍ أسترالية لا تُشبه شيئًا آخر. الشجر يتلوّى تحت الشمس، والهواء يُوشوش أغصان الأوكاليبتوس، وفي الأعلى... هناك شيء. لا، ليس شيء... بل همسة حية من نعومةٍ تتكئ على غصن، تتثاءب كأن العالم لا يعنيها، ثم تغفو إنه هو. الكوالا. ذاك الكائن الذي يبدو وكأنه نُسج من خرافة ناعمة.

    لكنه ليس دبًا لا تنخدع بشكل الأذنين المدورتين أو العينين الصغيرتين التي تنظر بلا مبالاة إلى الكاميرات. هو أقرب إلى الكنغر منه إلى الدببة، أقرب إلى جيبٍ جلديّ يحتضن الحياة قبل أن تكتمل. هو جرابي، يُخفي صغيره في كيسٍ داخلي، كما لو أن الأمومة سرّ لا يجب كشفه للهواء.

    ولأنه كوالا، فهو لا يركض، لا يزمجر، لا يُهاجم... بل ينام. ينام كمن قرر أن الحياة ليست إلا فرصة طويلة للقيلولة. يلتهم أوراقًا لا تأكله إلا الجرأة، أوراقًا مُرّة، شبه سامة، كأن معدته قد وقّعت مع الشجرة عقدًا سريًا لا نفهمه. ومع ذلك؟ يحبه الجميع. ربما لأنه لا يحاول. لا يسعى. لا يتصنّع. مجرد كائن محشوّ بنعاس أبدي، يذكّرنا بطريقة غامضة بأن البساطة، في بعض الأحيان، هي أكثر ما يُدهشنا.

الكوالا خُرافة لطيفة أم واقع حيّ؟

    في اللحظة الأولى، حين تقع عليه عينك، ستظن أنك وقعت في حلم. لا، ليس حلماً عادياً، بل أحد تلك الأحلام التي تتكوّن من غيوم مخملية، وضوءٍ رماديّ ناعم، وكائنٍ لا يُصدَّق. أنفٌ أسود كقطعة فحم تلمع، وعينان دائريّتان كأنهما تبحثان عن شيء لا تعرفه، وفراءٌ، يا للعجب، كأنه معطف حكاية تُروى للأطفال قبل النوم. يتدلّى من شجرة الكينا مثل فكرة ناعسة، يُمسك بالأغصان كما يمسك طفل بلعبته المفضلة. كل شيء فيه يقول لك: "اهدأ، لا عجلَة... كل شيء سيحدث لاحقًا، أو ربما لا يحدث أبدًا".

    لكن انتبه، لا تَغترّ. لأن الكوالا ليس مجرد وسادة حيّة للغابات. لا. في داخله يسكن عنادُ الأجداد. شخصية متمرّدة، غامضة، قابلة للاشتعال. يكفي أن تُهدّد راحته، أن تقترب أكثر مما يُحب، أن تُفسد عليه حلمًا في وضح النهار... حتى يتحوّل من كائن لطيف إلى كائنٍ يصدر أصواتًا غريبة، كأن طبولًا تُقرع داخل جسده الصغير! وخاصة الذكور. في موسم التزاوج، تتبدّل قوانين اللطافة. تخرج الأصوات الخشنة من الحلوق الصغيرة، وتبدأ المعارك الصامتة منها والصاخبة على فُتات من الغرام. فهل هو خرافة؟ أم حقيقي؟ ربما الاثنين معًا. كأن الكوالا تذكير حيّ بأن ما يبدو ناعمًا... قد يُخفي بين فروه صلابة الغابة.

حياة فوق الأشجار، بلا استعجال

    لا يُحب الكوالا الركض. لا يلهث خلف الزمن. لا يعرف ما معنى "عجلة". كل شيء في يومه يبدو وكأنه مغطّى بطبقة من التأني... حتى الفكرة حين تمرّ في ذهنه (إن مرّت!)، تمرّ بتثاؤب. يعيش الكوالا فوق، في العلوّ، بين فروع الشجر، كأن الجاذبية لا تُقنعه بشيء. يختبئ هناك، في حضن الأغصان، يتقلّب قليلًا ثم يغطّ في نوم عميق، طويل... بل مدهش! ثماني عشرة ساعة من النوم؟ نعم. وربما أكثر. وكأن اليقظة مجرد استثناء في طقوس يومه المبطّن بالنعاس. لكن، لِمَ هذا الخمول الفاخر؟ السرّ في طبقه المفضل... أوراق الأوكالبتوس. طعام يبدو عديم النكهة، مرّ الطبع، ثقيل الهضم، بل وربما سامّ لكائنات أخرى. لكن الكوالا؟ لا يمانع. جهازه الهضمي يشبه مختبراً كيميائيًا صغيرًا، مهيأ لتفكيك السم، وتحويل العشب إلى طاقة تكاد تكفيه فقط ليبقى حيًّا لا أكثر. لا قفزات، لا مطاردات، لا مغامرات متهوّرة. هو لا يأكل ليعيش، بل كأنه يعيش فقط ليهضم. يركز، يلوك، يبلع، ثم يعود إلى سريره من أغصان، كما لو أن الحياة كلها وجبة واحدة طويلة... بلا شهية، بلا نهاية.

الكوالا لا يشرب؟ تقريبًا صحيح

    توقّف لحظة. تنفّس. الآن اسمع هذه الغرابة: الكوالا... لا يشرب. أو على الأقل، لا يُفترض به أن يفعل. اسمه بين أهل أستراليا الأوائل يعني "ذاك الذي لا يلمس الماء"، وكأن الماء بالنسبة له فكرة زائدة، كمالية. فهو لا يسعى إلى الجداول ولا يتسكّع قرب البرك. هو فقط يلتقط أوراق الأوكالبتوس تلك الأوراق الرطبة، المبلولة بندى الصباح، التي تحوي سرّ بقائه. يتغذّى ويترطّب في نفس الوقت، كأن الورقة الواحدة هي وجبة ومشروب ومهد.

    لكن، هنا تدخل التغيرات المناخية، بوجهها المحموم، بأنفاسها الساخنة. هطول أقل. حرارة أكثر. أوراق أكثر جفافًا. والكوالا؟ لم يعد ذلك الكائن الذي يكتفي بندى الورق. بدأ، شيئًا فشيئًا، يقترب... من الماء. نعم، رأيناه ولأول مرة بشهادة الصورة لا الحكاية يمدّ لسانه نحو زجاجة، يشرب من كفّ بشر، من يد غريبة، في مشهد يشبه الأساطير. كأن الطبيعة نفسها، بكل كبريائها، قرّرت أن تطلب النجدة. وفي تلك اللحظة العابرة، التي التقى فيها كائن الغابة بكائن المدينة، لم يكن هناك فرق كبير. فقط عطش... وعينان تلتقيان.

صغير الكوالا قصة داخل الجراب

    حين تلد أنثى الكوالا، لا تصرخ الأرض، ولا تحتفل السماء. بل يحدث كل شيء في صمتٍ خجول... والمولود؟ لا تراه، بل تهمس به الحياة. كائن لا يُرى إلا بعين الحنان. أعمى. بلا فرو. هشّ كنسمة عابرة. بحجم نصف حلم، أو أقل. لكن رغم ضعفه، يتحرّك. لا يعرف أين، لكنه يعرف لماذا. يتلمّس طريقه نحو ذلك الكيس الجلدي، الجراب الملجأ، الوطن، الحضانة السحرية التي لا يسكنها إلا الفراغ والصبر... وصغير الكوالا. وفي الداخل؟ تبدأ أعجوبة النمو. ينبت له الفرو مثل قصيدة تتموّج فوق جلده، وتتكشّف عيناه عن دهشة أولى، ثم ثانية، ثم عالم كامل يُطل عليه من فتحة صغيرة في الجراب نافذته إلى الكون. ومع الوقت، يخرج، ببطء، بثقة، ثم يعتلي ظهر أمه كما يعتلي الفارس صهوة الفجر. لا سيف معه، بل مخالب صغيرة... وتعلّق كبير بالحياة.

    ثم، هناك ذلك المشهد الغريب، المثير، الذي لا يُروى في كتب الأطفال: يبدأ بتناول ما يُعرف بـ"الباب"... نعم، ذلك السائل العجيب الذي تفرزه الأم مزيج من برازها وإنزيماتها وبكتيرياها الخاصة! يبدو مقززًا؟ ربما... لكنه مفتاحه لهضم الأوراق السامّة، بوابة عبوره من طفولة الجراب إلى نضج الشجرة.

الكوالا في خطر نداء من الغابات

    في قلب الغابة الأسترالية، حيث كانت الضحكة ناعسة على فم الطبيعة، يعلو الآن صوت خافت، مُرتعش، كأنه تنهدة كائن خائف... ذاك هو الكوالا، لم يعد رمز الطمأنينة، بل بات صرخة مكتومة بين الأشجار المشتعلة. هل تصدّق؟ الكوالا، الكائن الذي لا يُجيد سوى النوم وأكل الأوكالبتوس، أصبح على حافة الزوال! حرائق غاضبة تأكله قبل أن يأكل أوراقه، مناشير تقطع الغصن الذي لم يُفكر يومًا أن يغادره، وجرافات تلتهم التربة التي خبأ فيها أنفاسه. بضع شجرات فقط، تكفي لتتركه في مواجهة الريح، تائهًا، مرهقًا، يحمل جسده فوق أغصان لا يعرفها، ويبحث عن مأوى في أرضٍ لم تعُد ترحّب به.

    ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ... المرض ينتظر، في صمت بارد. "الكلاميديا" ليس مجرّد اسم غريب، بل لعنة حقيقية تفتك بالكوالا، تفقده القدرة على الإنجاب، وتجعله يعاني في صمت لا يُسمع. أجسادهم تنهكها العدوى، والمناخ يزداد قسوة، والسماء التي كانت تمطر ندى أصبحت تقذف لهبًا.

    ومع تراجع الأشجار، وانحسار الظلال، بات الكوالا عالقًا في دوامة لا يدري كيف يخرج منها. مفترق طرق... نعم. إمّا أن نحمل عنه جزءًا من هذا العبء، أن نُعيد له غابته وأمانه، أو نكتفي بمشاهدته على بطاقات التذكارات، وصور الذاكرة، وقصص ما قبل النوم... كحلم جميل مات قبل أن يستيقظ.

الكوالا في ثقافة البشر

    عجيب هذا الكائن الذي لا يعرف من العالم إلا فروع شجرة واحدة، ومع ذلك، أصبح أيقونة عالمية! الكوالا، ذاك الجالس على الأغصان كما لو كان فكرة طيّبة تخطّت حدود الجغرافيا، لا يعيش إلا في أستراليا، لكنه يسكن الأكواب في نيويورك، القمصان في طوكيو، وقلوب الأطفال في كل مكان!

    وجهه المستدير، أذناه الكثيفتان، تلك النظرة التي لا تحمل تهديدًا ولا رغبة سوى في قيلولة طويلة... كل شيء فيه يصرخ بالبراءة. ولهذا، حين تحترق الغابة، ويظهر كوالا مصدومًا بين الرماد، تُستفَز المشاعر، وتنهض الإنسانية من مقعد اللامبالاة.

    إنه أكثر من مجرّد حيوان... إنه رمز. رمز للبساطة، للسكينة، ولتلك العلاقة القديمة بين الإنسان والطبيعة التي لم تفسدها بعد المصالح. الكوالا لا يتكلم، لكنه يعلّم. لا يُطالب، لكنه يُلهم. وكم من حملة بيئية بدأت بصورة له ممسكًا بيد إنسان، كأنّه يقول: "أنا لا أطلب كثيرًا، فقط اتركوا لي شجرتي".

    الكوالا، رغم خجله، صار صوتًا مدوّيًا في معركة الحفاظ على الكوكب. سفير بلا حقيبة، بلا كلمات، وبلا حدود... لكنه قادر على تحريك العالم من فوق غصن ساكن في آخر الأرض.

هل يصلح الكوالا كحيوان أليف؟

    من منا لم يتمنّ، ولو للحظة، أن يحتضن كوالا ناعمًا كالسحاب، ينام في زاوية الغرفة كدمية حية، لا يُثير جلبة ولا يُحدث فوضى؟! لكن، تمهّل... الكوالا ليس قطّة كسولة، ولا دبًّا محشوًّا بالصوف. هو مخلوق بالغ التعقيد، رغم مظهره البسيط الهادئ.

    تخيل أن تجلبه إلى منزلك؟ ما الذي ستطعمه؟ أوراق أوكالبتوس طازجة؟ من أين؟ يوميًا؟ وبكميات لا تُحصى؟ ثم، ماذا عن سُكره المزمن بالنوم؟ أو حساسيته الهائلة لأي صوت، لأي حركة، لأي تغيير طفيف في الضوء أو الرائحة؟ لا، الكوالا لا يحب المفاجآت... ولا الجدران.

    أضف إلى ذلك، أن القانون الأسترالي يضع حوله سياجًا قانونيًا صارمًا. لا يُباع، لا يُشترى، لا يُهادى، ولا يُصدَّر إلا في حالات نادرة لأبحاث علمية أو إنقاذ بيئي. كأن الوطن يقول: "هذا كنزي، لا يُغادر الغابة".

    ربما، وربما فقط، أجمل ما في الكوالا أنه لا يعيش بيننا، بل هناك، في مكانه الطبيعي، حيث الضباب يبلّل أوراق الأوكالبتوس، وحيث يمكن له أن يتمطّى بكسل ملوكي دون أن يزعجه أحد. دعوه هناك، في علياء الأغصان، رمزًا للبرية التي لا تُروّض... ولعلّه بهذا، يظل أكثر من مجرد حيوان. يظل أسطورة.

خاتمة

    لا تُخطئ الظن، فالكوالا ليس مجرّد دمية بعيون ناعسة وفراء رمادي. إنه أكثر من مخلوق يعيش في طرفٍ قصيٍّ من العالم. هو همسة وسط صراخ، وقصيدة وسط فوضى، ودعوة ناعمة لنبطئ... فقط نبطئ.

    بينما نركض نحن خلف جداول الزمن، يحضن الكوالا غصنه كأن الكون لا يدور، كأن اللحظة لا يجب أن تُستعجل. لا يرى في العالم ماراثونًا، بل غابة يجب التأمّل فيها... ورائحة أوراق يجب تذوّقها ببطء.

    فلنأخذه كمرآة، لا للكسل كما يظن البعض، بل للاتزان... للعيش بانسجام مع الطبيعة، لا في صراع دائم معها. الكوالا لا يصرخ، لا يحتج، لكنه إن اختفى، سيُحدث غيابه فجوة في القلب... وثغرة في النسيج الأخضر للعالم.

    فلنكن، نحن البشر المندفعون، صوته حين يصمت، وحارسه حين تضيق الغابات. فربما، في زمن كلّه ركض ولهاث، يكون الكوالا آخر الحالمين... وآخر من يُذكّرنا أن التباطؤ أحيانًا هو أعظم حكمة.

    إذا لامس هذا الكائن قلبك كما فعل بنا، فلا تترك القصة تنتهي هنا. شارك المقال مع من تحب، ازرع بذرة وعي في مكان ما، أو ابحث عن منظمة بيئية تدعم حماية الكوالا وساهم حتى بكلمة. اترك تعليقًا يخبرنا: ما أكثر ما أثار دهشتك في هذا المخلوق؟ هل تعتقد أننا قادرون على إنقاذه، أم أننا نقترب من وداعٍ لا نحتمله؟ اكتب رأيك، شارك التجربة، أو حتى أرسل سؤالاً لأن صوتك، مهما كان خافتًا، قد يصنع فرقًا في غابةٍ لا تزال تنصت.




للمزيد من المعلومات حول الدب ستجدها هنا

للمزيد من المعلومات حول الكنغر ستجدها هنا

تعليقات

عدد التعليقات : 0