سمكة التونة: أنواعها، فوائدها الصحية، وأسرار صيدها المستدام

سمكة التونة: أنواعها، فوائدها الصحية، وأسرار صيدها المستدام
المؤلف عالم الحيوانات
تاريخ النشر
آخر تحديث

سمكة التونة: أنواعها، فوائدها الصحية، وأسرار صيدها المستدام



















سمكة التونة تسبح








    ما إن تسمع «سمكة التونة»، حتى تنطلق الصورة فورًا في ذهنك: علبة معدنية، مفتاح صغير، شطيرة سريعة تُأكل على عجل، أو سلطة باردة تُقلب بالملعقة وتُنسى بعد أول لقمة. لكن، لحظة... هل هذا كل شيء؟ هل يعقل أن نختزل مخلوقًا جبارًا، آلة بحرية مدهشة، في قطعة لحم محشورة بين خبزين؟!

    يا صديقي، ما يُخفى في أعماق البحار لا يُشبه ما يظهر على رفوف المتاجر. سمكة التونة ليست كائنًا عاديًا... إنها أسطورة تسبح. مخلوق عضلي خارق، لا يتوقف، لا ينام كما ننام، لا يعرف الهدوء، ولا يقبل أن يكون مجرّد طعام. تخترق المحيطات كأنها صاروخ مائي، تتنقّل آلاف الكيلومترات بلا توقف، من الباسيفيك إلى الأطلسي، من مياه دافئة إلى أعماق باردة، تلاحقها الأقمار الصناعية ولا تلحق بها. تسبح، لا لأنّها تحب السباحة، بل لأنّها إن توقفت... ماتت.

    وهل تعلم؟ ليست "تونة" واحدة فقط. لا. بل عائلة ضخمة، سلالة من الأسماك النبيلة. التونة الزرقاء؟ ملكة البحر بلا منازع. لحمها داكن، غني، ثمين حدّ الجنون. تباع أحيانًا في مزادات اليابان بأسعار... مجنونة فعلًا. ملايين. نعم، ملايين الدولارات من أجل سمكة واحدة. التونة ذات الزعانف الصفراء؟ أخفّ، أكثر انتشارًا، أنيقة بطريقتها، تستخدم في معظم الأطباق حول العالم، من السوشي إلى البيتزا (إن كان قلبك قويًا لتجرب). التونة الوثّابة؟ صغيرة، رشيقة، هي بطلة العلب التجارية، تملأ رفوف المتاجر، لكنها رغم ذلك لا تقلّ شرفًا عن شقيقاتها الأكبر.

    هذه السمكة، التي تبدو لك بسيطة، تُشكّل عنصرًا اقتصاديًا ثقيل الوزن. تتحكّم بأسعار السوق، تُشغّل مصانع، تُطاردها السفن، تُراقبها الدول. إنها ليست غذاء فقط. إنها تجارة. ثقافة. هُوية. وفي بعض الأماكن... شغف لا يُوصف. وفي المحيطات، تحت الموج، حيث لا تصل أنظارنا، هناك معارك يومية، رحلات طويلة، غموض لا يُفكّر فيه كثيرون. لكن التونة تعرف. التونة تعيشه، وتنجو، وتُصارع. ففي كل مرة تفتح فيها علبة، تذكّر... خلف هذا اللحم الرمادي هناك قصة. لا، بل حياة. محيطات كاملة مرّ بها هذا الجسد قبل أن يصل إلى مائدتك. وسؤال بسيط يعلو فوق كل شيء: هل نأكل فقط؟ أم نأكل ونتذكّر، ونُقدّر، وربما... نحافظ؟

أنواع سمكة التونة وفوائدها الغذائية التي تُدهش العقل

    عالم سمكة التونة واسع... لا، بل هائل، متشعّب، مذهل! هذه السمكة التي نراها في العلبة الصفيح الصغيرة أو على طبق السوشي، تخفي وراءها عائلة ضخمة متفرّعة، تعيش في أعماق المحيطات وتتنقّل كالمغامرين بين التيارات الباردة والدافئة، بحثًا عن مواطنها ومصايدها السرية.

    تبدأ الحكاية بـ"الزعانف الزرقاء"... نعم، تلك الملكة الساحرة، الثقيلة، التي لا تشبه أحدًا، لا في شكلها ولا في طعمها ولا في قيمتها. لحومها غامقة، كثيفة، ومليئة بنكهة لا تُوصف، وكأنها تروي قصة البحر في كل قضمة. ويكفي أن تعلم أنّ هذه التونة تُباع أحيانًا بأسعار خيالية، ملايين، نعم ملايين! ليست مبالغة... بل واقع يعيشه طهاة النخبة والمستثمرون في مزادات السمك الكبرى.

    ثم هناك الزعانف الصفراء، الأنيقة، المتوسطة الحجم، التي تملأ البحار الاستوائية بين الهادئ والهندي، وهي الأكثر انتشارًا وربما الأكثر استهلاكًا في العالم. مذاقها؟ خفيف، متوازن، لا يُربك الحواس لكنّه يُرضيها. وهي الخيار المفضل في المطاعم التي تعرف ماذا تقدّم.

    لكن لحظة! لا ننسى الصغيرة المشاغبة، التونة الوثّابة. خفيفة الظل، كثيرة الحركة، حجمها أصغر من شقيقاتها، لكنها حاضرة بقوّة في كل مطبخ. تجدها في العلب، على الرفوف، في المدارس، في الغداء السريع... كأنها تقول: "أنا هنا دائماً، جاهزة لخدمتك".

    وأخيرًا، هناك الباكور، البيضاء الهادئة. لحومها بيضاء نقية، تكاد تشبه الحليب في صفائها، وملمسها ناعم كأنك تلمس قطعة من القطن البحري. تُستخدم غالباً في المعلّبات الراقية، تلك التي لا يشتريها الجميع، لكن من يذوقها لا ينساها.

    كل نوع من أنواع سمكة التونة يملك نكهته، روحه، وتاريخه. ليست مجرد تسميات علمية، بل شخصيات بحرية قائمة بذاتها. وهل يُعقل أن نعاملهم كلهم كأنهم واحد؟ مستحيل.

التونة: عدّاءة البحار التي لا تهدأ

    تخيّل كائناً لا يستطيع التوقّف عن الحركة. لا للاستراحة، لا للنوم على مهل، لا حتى لثوانٍ معدودة! هذه ليست مبالغة... بل حقيقة مذهلة عن سمكة التونة. فلو توقفت، ماتت. نعم، بهذه البساطة المرعبة. لأنّها تعتمد على اندفاع الماء خلال خياشيمها لتتنفّس، ولا يتم ذلك إلا وهي تسبح، بلا كلل، بلا توقّف.

    خلقت لتكون آلة سباحة... مخلوقًا انسيابيًا يعشق الحركة، كما لو أنّ البحر نفسه يسري في عروقها. لا تهدأ. لا تتباطأ. لا تلتفت. وإن فعلت، انتهت. سبحان من أبدع في خلقها!

    رحلاتها؟ لا تُقاس بالأميال القليلة التي نعرفها. إنها تجوب المحيطات، من دفء السواحل الاستوائية إلى قسوة الأعماق الباردة. من اليابان إلى كاليفورنيا، من المحيط الهادئ إلى الأطلسي. مسافرة لا تتوقف، وكأنها تبحث عن سرّ دفين لا يعرفه سواها.

    ولن تصدّق سرعتها... قد تبلغ في اندفاعها أكثر من سبعين كيلومتر في الساعة! نعم، سمكة تُنافس السيارات على الطريق السريع! والسبب؟ عضلاتها، تكوينها الجسدي الفريد، وطبيعتها التي ترفض البطء كأنّه لعنة.

    هي ليست سمكة عادية. بل كأنّها رياضية محترفة، وُلِدت لتركض... ولكن في الماء.
هل ما زلت تراها مجرّد وجبة؟ فكر مجدّدًا.

التونة في الثقافة والمجتمع

    أتعلم؟ سمكة التونة لم تبقَ حبيسة الأمواج أو ضيفة مؤقتة على المائدة. لا، لقد خرجت من المحيط، خلعت عنها ملوحة البحر، ودخلت عمق الثقافة، لبّ الذاكرة، وحتى نواة الاقتصاد. في اليابان مثلاً، ليست مجرّد سمكة... بل تراث، طقس، احتفال. صيد التونة هناك ليس عملاً روتينيًّا فحسب، بل فنًّا عريقًا تُعلّمه الأجيال للأحفاد كما تُورّث القصائد القديمة. حركة اليد حين تقذف الخطاف، عين الصيّاد حين يحدّق في الزرقة منتظرًا لحظة الانقضاض... كل هذا مسرح، وطقس، وروح.

    في أمم أخرى، باتت التونة جزءًا من "من نحن"، من صورتنا في المرآة، من أصوات المرافئ، من أخبار الأسواق، من لغات المطاعم التي تكتبها في قوائم الطعام كأنها كنزٌ ثمين.

    والقصة لا تقف عند الرمز، بل تتعداه إلى الأرقام، والأرقام لا تكذب. عشرات الآلاف من الناس وربما أكثر يحيون بفضل هذه السمكة. صيّادون يصارعون العواصف لأجلها. عمّال مصانع يملؤون العلب بقطعها اللامعة. طهاة يتفنّنون في تقديمها نيئة أو مطهوة أو ممزوجة بالتوابل. أسواق تُفتتح وتُغلق على صيد يومها. ومزادات تُقام خصيصًا لتُباع فيها تونة واحدة بمئات آلاف الدولارات.

    هي لم تعد مجرد كائنٍ بحريٍّ عابر. لا، بل كيانٌ اقتصاديّ متكامل، محرّكٌ خفيّ لعجلات مالٍ لا يُستهان به. ملايين... بل مليارات تُضَخ سنويًّا في هذا القطاع، ووراء كل تونة قصة، ووراء كل قصة، إنسان.

التونة في المطبخ: من علب معدنية إلى أطباق فاخرة

    كم هو غريب... أن تكون سمكة التونة، هذه المخلوقة البحرية القويّة التي تقطع آلاف الأميال وتسبح بسرعات تُبهر الفيزياء، محصورةً في أذهان كثير من الناس داخل علبة معدنيّة صغيرة، مدهونة بالزيت، ومقيدة بفتّاحة صدئة. علبة؟! نعم، هكذا يعرفها معظم البشر: وجبة سريعة، شطيرة بلا مجد، نكهة محفوظة في الملح والمواد الحافظة.

    لكن الحقيقة؟ أوه، الحقيقة أبعد وأعمق وأشهى بكثير فالذي لم يذق لحم التونة الطازجة، خصوصًا من الزعانف الزرقاء، لم يعرف بعد ما تعنيه كلمة "فخامة بحرية". لحمها لا يشبه باقي الأسماك. ناعم، ثقيل، يكاد يُقضم كما تُقضم قطعة من الزبدة الباردة. اليابانيّون، مثلاً، صنعوا منها أسطورة. السوشي؟ الساشيمي؟ تلك الشرائح النيئة اللامعة التي تُقدم كالجواهر في أطباق مصقولة... هذا هو مقام التونة هناك. ليست طعامًا فقط، بل طقسًا، تأمّلاً في النكهة، فنًّا يُؤكل.

    وقد تُشوى على الفحم، فتفوح منها رائحة البحر مختلطةً بالدخان. أو تُقلى سريعًا لتُبقي داخلها عُصارتها النادرة. وفي بعض الأماكن... تُقدَّم نيئة تمامًا، بلا توابل، بلا إضافات. كأنهم يقولون: "دع البحر يتكلّم".

    وهنا، تظهر المفارقة التي تضحك وتبكي معًا. بين مَن يلتهم التونة في سندويشة على الرصيف، ومَن يحجز مقعدًا أسابيع مسبقًا في مطعم نوافذه تطلّ على ناطحات السحاب، فقط ليأكل قضمة واحدة من تلك السمكة نفسها. قضمة، تُكلّف أحيانًا ما لا يدفعه آخرون في أسبوعهم الكامل.

    ومع كل هذا التفاوت... تبقى سمكة التونة، تلك الملكة البحرية، سيّدة المائدة بلا منازع. سواء كانت داخل علبة صدئة، أو على طبق من خزف ياباني فاخر... فهي دائماً حاضرة، ودائماً مدهشة.

لكن السؤال المهم... ماذا نستفيد من أكلها؟

    دع كل ما قيل سابقًا جانبًا، نكهتها، لونها، مكانتها في المزادات العالمية، وحتى عشق الطهاة لها... ولنسأل السؤال الذي غالبًا ما يأتي متأخّرًا، على استحياء: ما الذي نجنيه حقًا من أكل سمكة التونة؟ السؤال يبدو بسيطًا، لكن خلفه دهاليزٌ من العلم، والدهشة، والتفاصيل التي لا تُقال على الملصقات.

    البداية؟ من هناك، من حيث تسكن أوميغا 3، تلك الدهون العجيبة التي لا تُشبه غيرها. هي ليست فقط «مفيدة». لا، بل تُغذّي القلب كما لو كانت تلحن له سمفونية من الاتزان، وتربّت على الدماغ في لحظات التشتّت. هل جرّبت يومًا طعامًا يحسّن تفكيرك؟ هذه تفعله.
تهدّئ الالتهاب، ذلك الغريب الصامت الذي يسكُن في مفاصلنا وأجهزتنا دون أن يطرق الباب، وتدعّم أعصابنا كأنها تُطليها بطبقة خفية من الصبر والصلابة.

    ثم نصل إلى البروتين، ذاك العملاق الغذائي. لحم التونة ليس مجرد لحم. إنه كثافة صافية، كأنك تأكل عضلة بحرية نُحتت في التيارات. خالٍ تقريبًا من الكربوهيدرات، لا يساوم مع الدهون الرخيصة، ولا يتخلى عن نبل القوام الغذائي. لهذا تراه معك على مائدة الرجيم، في أنظمة الكيتو، في خطط الرياضيين، وحتى مع أولئك الذين يأكلون بحذر... أو بشعور دائم بالذنب.

    وتحت هذا السطح، هناك كنوز صامتة لا يراها إلا من قرأ المكونات أو فهم الجسد. فيتامين B12، ذلك اللاعب السري في معادلة الطاقة. لا ضجيج، لا كافيين، لا انتفاخات. فقط يقظة حقيقية تتسلل إلى جهازك العصبي وتوقظه كما تُوقَظ شمعة في ليلٍ ساكن. وإلى جانبه، يبرز السيلينيوم واليود... كأنهما التوأم الخفي للغدة الدرقية. لا أحد يراهم، لا أحد يُشيد بهم، لكنهم هناك، يقاتلون خلف الستار ليبقى الجسم مستقرًا، والمناعة صلبة، والنظام بأكمله غير منهار.

    لكن وهنا نتوقف لحظة لا شيء في هذا العالم يُمنح دون حساب. هل كل تونة صالحة؟ هل نأكل بلا سؤال؟ الجواب المؤلم: لا. الزئبق... تلك الكلمة التي لا نحب أن نسمعها، لكنها حاضرة، خصوصًا في الأنواع الكبيرة من التونة. ليس لأن السمكة سيئة، بل لأن المحيط مريض. الزئبق يتراكم، بصمت، عبر السنين، ويجد طريقه إلى أطباقنا، حيث لا نراه... لكنه يُخزن. يُثقل. يُؤذي، ببطء. وهنا، لا بد من التوازن. لا تُحرَم نفسك، ولا تُسلّمها للتهوّر. كأنك تمشي على خيط دقيق بين المتعة والوعي، بين الشهية والحكمة. تذوّقها، نعم، دعها تنفجر في فمك بطعم البحر الحقيقي، لكن لا تُكثر، لا تفرط، لا تتغافل. فهذه ليست مجرد سمكة. إنها طعام وفلسفة، لذة ومسؤولية.

الصيد الجائر... هل نسير بالتونة نحو حتفها ونحن نضحك على المائدة؟

    رغم كل ما قيل عن سمكة التونة من جمالها، طاقتها، وقيمتها الغذائيّة، يلوح في الأفق شبح... شبح ثقيل، كئيب، لا صوت له لكنه حاضر بقوة. إنه الصيد الجائر، ذاك الجرح المفتوح في خاصرة المحيط، الذي لا يكفّ عن الاتساع. تزايد الطلب؟ نعم، بلا حدود. الأسعار؟ نار تشتعل في أسواق العالم. ووسط هذا اللهاث وراء الربح، بدأت الشباك تُرمى بلا رحمة، تُسحب بسرعة، تُملأ بالجملة، ولا يُترك للكائنات مجالٌ للهرب، ولا للبحر أن يلتقط أنفاسه. التونة ذات الزعانف الزرقاء؟ آه، تلك تحديدًا، جوهرة البحار، بدأت تختفي شيئًا فشيئًا. وكأنها تصرخ في صمت، وتقول: "كفى". تُصطاد في عمر صغير، تُقتنص قبل أن تلد جيلًا جديدًا، يُختطف منها الحقّ في البقاء.

    هل هذا عدل؟ هل حقًا نستحق أن نأكل حدّ الانقراض؟ أن نطلب المزيد والمزيد، ونعود إلى موائدنا راضين، بينما البحر يبكي في صمت مالح؟ قد يبدو الكلام مبالغًا فيه، للبعض. وقد يُشعر البعض الآخر بأنه حديث موجّه للخبراء فقط. لكن... لا. الحقيقة أنه حديثنا نحن، نحن من نأكل، نحن من نشتري، نحن من نُغذي السوق بطلبنا. والمسؤولية؟ نعم، تقع على عاتقنا.

    إنّها ليست فقط قضية "أسماك". بل قضية توازن كامل، دورة حياة، أجيال قادمة لن تعرف التونة إلّا من الصور، أو من القصص. أليس من الأفضل، أن نُخفف من جشعنا قليلًا؟ أن نسمح لهذا الكائن الرائع، السريع، الجميل، أن يُكمل رحلته في البحر؟ أن نراه ليس فقط في أطباقنا، بل أيضًا في الطبيعة كما هو، كما خُلق؟ صحيح... قد لا نُغيّر العالم وحدنا، لكن كل مرة نختار فيها بعين واعية، نمنح التونة نفسًا جديدًا، فرصة أخرى، وربما مستقبلًا لم يكن ممكنًا.

التكنولوجيا في خدمة التونة!

    هل تتخيل؟ في زمنٍ تملأ فيه الأقمار الصناعية سماءنا، لم تعد سمكة التونة وحدها في البحر، تسبح بحرّية كما في الأيام الخوالي. هناك، في الفضاء، عين تراقب. تلاحق. تُسجّل. نعم، أصبح للتونة اليوم «بروفايل» رقمي، إن صحّ التعبير. تُتابَع بالجي بي إس وكأنها مركبة تسير على الأرض، لا كائن حي يسبح تحت الأمواج. لكن، لا تُفزعك الصورة. ليست مطاردة لصيدها... بل لمحاولة إنقاذها.

    العلماء، أولئك الذين لا يغمض لهم جفن حين يكون الكوكب في خطر، صاروا يستخدمون أحدث ما جادت به التكنولوجيا لفهم هذه السمكة العجيبة. متى تهاجر؟ إلى أين تتجه؟ كم من الصغار تلد؟ ما أعماق البحر التي تفضلها؟ البيانات تُجمع، وتُحلل، ثم تُستخدم لصياغة خطط معقّدة، خريطة دقيقة لحياة لا نراها، لكنها تهمّنا أكثر مما نعتقد. وهنا يظهر الوجه الآخر للتكنولوجيا... لا فقط مراقبة، بل تنظيم، وتشريع، بل وضبط صارم في بعض الحالات.

    خذ اليابان، على سبيل المثال. البلد الذي لا يعبث عندما يتعلّق الأمر بالتونة الزرقاء. هناك، لا يمكن لأي صياد أن يُلقي شباكه كما يحلو له. توجد أنظمة، وتراخيص، وحصص محددة. كل ذلك لحماية هذه السمكة التي تُعدّ ثروة قومية، بل كنزًا حيًّا يتقلّب في ظلمات البحر.

    وحتى خارج اليابان، دول عديدة بدأت تلحق الركب. تفرض قوانين، تُلزم بموسم صيد محدد، وتمنع الاصطياد الجائر. الذكاء الاصطناعي، الأقمار، أجهزة الاستشعار تحت الماء، كلها باتت في صفّ التونة. فهل تتخيل؟ التكنولوجيا، التي كانت يومًا أداة دمار، أصبحت الآن حليفًا للأسماك! يبقى السؤال: هل ستكفي هذه الأدوات في مواجهة جشع الإنسان؟ لا نعلم. لكن على الأقل... التونة لم تعد وحدها في البحر.

خاتمة

    حين نصل إلى نهاية الحديث، لا يسعنا إلا أن نتوقّف لحظة، نلتقط أنفاسنا، ونُعيد النظر... فـ سمكة التونة لم تكن يومًا مجرّد كائنٍ يُصطاد ويُعلَّب ويُؤكل في عُجالة. لا. هي شيء أكبر من ذلك بكثير. هي آلة حيّة، رياضية فذّة لا تعرف الراحة، تسابق الزمن والموج، وتتنقّل في الأعماق كما لو كانت تعرف دربها جيدًا. فيها ذكاء خفي. قوة هائلة. وجمال لا يُشبه غيره.

    إنها كنز. لا يُقاس بالكيلوغرامات، ولا يُعبّر عنه بسعر السوق. كنز من توازن بيئي، من غذاء نبيل، من تاريخ وثقافة، من علاقات مع البشر أقدم مما نتصوّر. فكر قليلًا... كل قضمة تونة تأكلها، ربما كانت ذات يوم في مياه القطب، أو مرّت تحت جسور هاواي، أو تنقّلت قرب سواحل اليمن! ألا يستحق هذا المخلوق أن نحترمه؟ أن نُقلّل من استنزافه؟ أن نسمح له بأن يبقى في البحر، ليس فقط في أطباقنا؟

    صحيح... نحن بشر، نأكل، نستهلك، نُحبّ الطعم اللذيذ. لا بأس. لكن لا تجعل من لذّتك نهاية لحياة كاملة. لا تجعل من راحتك سببًا في انقراض نوع مذهل كهذا. فلنكن أكثر وعيًا. فلنكن شهودًا لا قتلة. فلنحفظ شيئًا من البحر، لأطفالٍ لم يولدوا بعد. هل تراها الآن كما كنت تراها سابقًا؟ هل ما زالت مجرّد "تونة؟ أم أنك، مثلنا، بدأت ترى فيها حياة كاملة... تستحق أن تُروى، وتُحمى، وتُبجّل؟

    ما رأيك أنت في أهمية الحفاظ على سمكة التونة؟ وهل تفضل تناولها طازجة أم معلبة؟ شاركنا تجربتك في التعليقات!

تعليقات

عدد التعليقات : 0