الغزالة: رمز الرشاقة والجمال في عالم الحيوانات

الغزالة: رمز الرشاقة والجمال في عالم الحيوانات
المؤلف عالم الحيوانات
تاريخ النشر
آخر تحديث

الغزالة: رمز الرشاقة والجمال في عالم الحيوانات











غزالة واقفة في السافانا وسط الطبيعة البرية






    هل وقعت عيناك عليها يومًا؟ الغزالة. ذاك الكائن الذي لا يمشي، لا يركض، بل ينساب على التراب كأن الريح تحمله لا أقدامه. لا يمكنك تجاهلها حتى لو أردت، شيء فيها يجذبك بلا تفسير، كأنك رأيت حلمًا يستيقظ فجأة بين الأعشاب. تحاول أن تصفها؟ تفشل. لأنها ليست وصفًا يُقال... بل شعور يُعاش.

    خفيفة؟ لا، أخفّ من الهواء ذاته. سريعة؟ بل كأن الفكرة تسبقها وتجدها قد وصلت قبلها. جميلة؟ الجمال نفسه يرتبك إن وُضعت بجانبه. شيء فيها لا ينتمي لهذه الأرض، وشيء آخر يذكّرك بها بكل تفاصيلها.

    الغزالة ليست مجرد "حيوان بري". لا! هي كأنها توقيع الطبيعة الأخير حين قرّرت أن تُبدع دون قيد. رمز؟ نعم. للجمال؟ ولغيره. للرشاقة، للسكينة التي تُخفي بين طيّاتها طاقة هائلة. لا تتكلّم كثيرًا، لا تصرخ، لا تفتعل مشاهد درامية. لكنها، حين تمر... الكل يشعر بها، حتى وإن لم تلمس الأرض!

الغزالة ومن أين تبدأ حكايتها؟

    الغزالة... آه، من أين أصلًا تبدأ حكاية بهذا الكم من الخفّة والدهشة؟ من ظلّ شجرة عند طرف السهل؟ من ومضة عيونها التي تسبق الخطر بخطوتين؟ أو من تلك الأرجل التي لا تعرف الثقل يومًا؟ لا أدري، وربما هي لا تدري أيضًا. كل ما أعرفه أنها ليست من مكانٍ واحد، بل كأن الأرض بأكملها كانت وطنها المؤقت.

    تراها فجأة في أرض شبه جرداء، ثم تختفي بين الرمال، وكأنها لم تكن. وبعدها، تجدها ترعى بهدوء عند سفح جبل أخضر، تراقب، تتنفس، كأنها تحفظ كل حركة في المكان من غير أن تُرى. السهول تحبها، والغابات تتآمر معها، وحتى الصحارى لا تجرؤ على رفضها، لأنها تعرف كيف تتسلل بينها دون أن تترك أثراً يُتبع.

    كيف تنجو؟ ليس بالقوة، ولا بالعدوان، بل بشيء يشبه الذكاء الغريزي. ريشة في مهب الريح؟ لا، بل بوصلة تمشي على أربعة أرجل. عيناها؟ لا تُوصف. واسعتان كأنهما لا تنتهيان، وكأنهما لا ترمشان إلا حين يكون الأمان كاملاً. وهناك في الأذن، ذاك الرادار المتوتر الذي لا يهدأ. تسمع ما لا يُقال، وتشعر بما لم يحدث بعد.

    والغزالة؟ لا تنتظر الشرّ ليأتي. تهرب قبل أن يقرر أن يأتي أصلًا. لا وقت عندها للدراما، ولا متّسع للرعونة. تختفي بسرعة من لا يرغب بالضجيج. وتعود حين يصبح المكان صالحًا للسكينة من جديد.

ما الذي يجعل الغزالة مختلفة؟

    ما سرّ هذا الكائن؟ ما الذي يجعل الغزالة مختلفة أصلًا؟ ليست صاخبة، لا تهاجم، لا تفتعل ضوضاء لكنها حين تضطر للهرب؟ يصبح الهواء صديقها. تركض؟ لا، بل تطير على رجليها، وكأن الأرض لا تلامسها إلّا لتدفعها أعلى. هناك قفزات لا تشبه الجري، بل تشبه الشعر، خفيفة، منحنية، متتابعة، كلّ واحدة منها كأنها تقول للعالم: "لن تمسّني".

    ولما تنظر لها؟ لا ترى مخلوقًا يحاول الاختباء، بل كائن اختار أن لا يكون في الواجهة فقط. ألوانها؟ عبقرية بدون قصد. رمليّة تشبه الأرض، بُنيّة كظلّ غروبٍ على التلال، بقع بيضاء مثل ومضات شمس هاربة من بين الأشجار. لا تختفي، لكنها لا تعلن عن نفسها أيضًا. لا هي هنا ولا هي هناك.

    والمذهل؟ أنك حين تظنها ضعيفة، تكتشف أنها أقوى مما كنت تظن. لا تصرخ، لا تتباكى، لكنّها تعرف كيف تعيش. الجوع؟ تتحمّله بصبر الأمهات. العطش؟ تمرّ عليه بسلام. وحين يأتي الوقت لتربية الصغار؟ تصبح الغزالة كائنًا آخر. حنون، يقظ، مستعدّ أن يركض في كل اتجاه ليحمي نقطة الضعف الوحيدة في حياته: صغيره. هي لا تحتاج لأن تثبت شيئًا لأحد. فقط تعيش، وتتقن النجاة، وتصنع من الرقة درعًا لا يُخترق.

غذاء الغزالة؟

    هي لا تلتهم، لا تنهش، لا تبحث عن الولائم. الغزالة تأكل بهدوء، بنعومة كأنها تختار من الطبيعة ما لا يؤذيها. أعشاب طرية، أوراق تتدلّى من شجيرات صغيرة، نباتات تنمو بصبر بين الصخور هذا يكفيها. لا تطمع، لا تزدرد الطعام وكأنه معركة. تأكل برقة، ولكن ليس استرخاءً.

    لأن كل قضمة هي مخاطرة. تُخفض رأسها نحو الأرض، لكنّ عينيها لا تغلقان عن العالم. أذناها تتحرّكان كل لحظة، كأنها تترجم الهواء نفسه. ليس هناك أمان حقيقي، لا راحة طويلة، لا وجبة دون احتمال الخطر. تعيش الغزالة في عالمٍ لا يرحم التأخير، لذا تأكل وهي على أهبة الاستعداد، كأنها في سباق مؤجل. الغزالة تعرف. تعرف أن هناك دائمًا ظلًّا يتربّص. أن هناك عيونًا لا ترمش. فحتى أثناء تناول العشاء قد يكون الصياد في الجوار.

هل تصدر صوتًا؟ نعم، لكنها لا تحب الضوضاء.

    الغزالة ليست من عشّاق الضجيج. هي ابنة الصمت، ومَن تربّى على الحذر لا يرفع صوته. ومع ذلك، حين يقتضي الأمر، حين يقترب الخطر بشكل لا يمكن تجاهله... تهمس. نعم، تهمس بنبرة لا تُشبه أصوات الغابة الأخرى. لا تصرخ. بل تُطلق تنبيهًا ناعمًا، كأنه ذبذبة في الهواء، تفهمه الغزالات من حولها فورًا، فتتوتر الأجساد وتتوثّب الأرجل.

    لكنها غالبًا تلتزم الصمت. لأن الصمت، في عالمها، ليس ضعفًا بل حيلة، وخدعة، ودرع. أن تبقى بلا صوت يعني أن تعيش أكثر. أن لا تُلاحَظ، أن تمرّ بجوار المفترس وكأنك ظلّ عابر لا يُرى.

    وإن اضطرّت للهرب؟ فلا صوت يُرافقها إلا نبض الأرض تحت خطواتها الراكضة. حينها، لا تصرخ. بل تطير. نعم، تطير بلا أجنحة، فقط بقدمين تعرفان أين تضعان أنفسهما وسط الفوضى.

علاقة الغزالة بالبشر؟ معقدة قليلًا.

    هي أقرب إلى رقصة مترددة. نحن، من جهتنا، نحبّها أو على الأقل نقول ذلك كثيرًا. ننسج حولها أساطير الطفولة، نعلّق صورها على جدران الصفوف، نربطها بالجمال وكأنها كُتبت لتكون المعيار. لكن هل الحب يكفي حين تكون يدك الأخرى تحمل البندقية؟

    الغزالة لا تعرف ما إذا كان اقترابك حبًا أم فخًا. هي لا تكرهك، لا ترفع صوتها احتجاجًا، لا تهاجمك حتى. فقط... تراقب. تختبئ حين تبني مدنك في قلب مواطنها. تتراجع خطوة كلما امتد طريق جديد في أرض كانت لها.

    وحين تلتقي بك صدفة؟ لحظة تتجمّد فيها الدنيا. عيون واسعة، جسد مشدود، قلب ربما ينبض أسرع من صوت الريح. ثانية واحدة ثم تختفي. لا وداع، لا نظرة إلى الوراء، كأنها لم تكن هناك أصلًا. كأنها لا تريد أن تعرف أكثر. ولا أن تُعرف. ما الذي تبقّى من هذه العلاقة؟ صورة على قميص. وربما... غزالة أخرى تركض الآن لتنجو منّا، لا من الوحوش.

الغزالة الأم مدرسة في الحذر

    الغزالة الأم... لا تُشبه الأمهات كما نعرفهن. هي لا تملك حضنًا دافئًا طويل المدى، ولا بيتًا محصّنًا تُخفي فيه صغيرها، ولا جدرانًا تفصلها عن الخطر. ما تملكه فقط؟ قلبٌ يرتجف من الخوف... ولا يتوقّف عن النبض من الحبّ.

    عندما تلد، لا تحتفل. لا تنادي القطيع ولا ترفرف بفرح. بل تلتفت حولها بهوس، تبحث عن زاوية لا أحد يصلها، بقعة لا تُشبه شيئًا، كي تخفي فيها ذلك الكائن الهش. تُخبّئه تحت ظلّ شجرة قديمة، بين الأعشاب الجافّة، أو في حضن الأرض. ثم تمضي... نعم، تتركه هناك. لماذا؟ لأن اقترابها منه يعني الخطر. وجودها قد يجذب العيون المفترسة. فتختار الغياب، وتعود فقط حين تطمئن أن لا أحد يراقب.

    تطعمه بسرعة. تلعقه برفق. تهمس له بلغة لا تُسمَع، بل تُزرع في قلبه زرعًا.
ثم ترحل من جديد. لا لحاجة منها للراحة، بل لأن الزمن مع الصغير ثمين وخطير. هي تعرف بطريقتها أن الحياة لا تُمهل الضعفاء كثيرًا.

    وفي غيابها، يبدأ الصغير بتعلّم قواعد البقاء. يتعلّم أن يجمُد حين يسمع صوتًا غريبًا، أن يُخفي نفسه كأنّه ظلّ، أن لا يثق بأي شيء متحرّك. ثم، حين يكبر قليلًا، تبدأ تدريبات أخرى. تدريبات على الجري، على القفز، على التنفّس تحت التهديد.

    الغزالة الأم لا تملك كتبًا ولا كلمات، لكنها تُربّي. بطريقتها. بصمتها. بخوفها الذي يتحوّل إلى درع، إلى درس، إلى وصيّة خفيّة تُقال كل يوم: كن يقظًا... لأن العالم لا يرحم.

هل يمكن تربية الغزالة؟

    هل فكّرت يومًا... أن تُربّي غزالة؟ سؤال غريب، لكنّه يُطرَح. ربما لأنّها فاتنة، تُشبه حلمًا رشيقًا يمشي على أربع. وربما لأنك تخيّلتها بجانبك، تزيّن حديقة المنزل أو تجري بلطف وسط أطفالك. لكن الحقيقة؟ آسف أن أقولها... لا. الغزالة لا تُربّى.

    هي ليست قطّة. ولا كلبًا. ولا حتى طائرًا يمكن أن تعوّده على القفص. هي غزالة. مخلوقة وُلِدت للفراغ، للمساحات، للريح التي تسبقها وهي تركض. الجدران تقتلها. والأقفاص حتى لو كانت من ذهب تخنق أنفاسها.

    قد تعتني بها. قد تطعمها من يدك. قد تُغريها بحبّك ولطفك وحنانك. لكنّها، في داخلها، ستموت. ببطء صامت... مثل زهرة نُقلت من الجبل إلى قنينة بلاستيكية.

    الغزالة تحتاج أرضًا لا حدود لها. تحتاج أن تختار متى تركض، متى تختبئ، متى تختفي خلف شجرة دون أن يسألها أحد "أين كنتِ؟". تحتاج الغياب، والهدوء، والخوف أحيانًا. وتحتاج ألا تُراقب وهي تأكل.

    لا تحب الضوضاء. لا تُجيد التكيّف مع البلاط ولا الأرائك ولا روائح العطور. هي تعرف ترابها. تعرف رائحة المطر فوق الأعشاب اليابسة. الغزالة لا تنتمي للبيوت... بل تنتمي للحكايات، للبراري، للمشاهد التي تُخطف ولا تُكرَّر.

    محاولة ترويضها؟ كأنك تحاول إقناع البحر أن يعيش في زجاجة. سيهدأ لحظة، نعم... لكنه سيظل يصرخ بداخلك: أنا أضيق... أنا أختنق... أنا لست هنا. لذلك، إن رأيتها... فأحبّها من بعيد. واتركها تذهب. لأنك لو أحببتها حقًا، فلن تُقيّدها.

الغزالة في الثقافة والخيال

    منذ أن بدأ البشر يخيطون الحكايات من الضوء والخيال، ظهرت الغزالة. لم تأتِ كأيّ مخلوق. بل كظلّ رشيق في الشعر. كلمعة في عيون الحالمين. هي ليست فقط استعارة...
هي استعارة تحرّكت. كانت العين تُشَبَّه بها، لا العكس. وكان الجمال يُقاس على وقع خطاها، لا وفقًا لمعايير متحجّرة.

    في قصائد العشّاق؟ هناك غزالة تهرب دائمًا. وفي أغاني البدو القديمة؟ صوت يهمس من بعيد عن غزالة سكنت القلب ولم تُمسك أبدًا. هي رمز. أنوثة؟ نعم. خفّة؟ بالتأكيد. لكنّها، أيضًا، فكرة. فكرة الجمال الذي لا يمكن امتلاكه، ولا حتى لمسه. فقط رؤيته... أو توهّمه.

    في بعض الثقافات، تحوّلت الغزالة إلى مخلوق أسطوري. ليست مجرّد حيوان. بل كائن يتسلّل من بين الشقوق، يظهر فجأة في الغابات الممطرة، يلمع لثانية ثم يختفي كأنّه لم يكن. ملاك؟ ربما. ساحرة؟ ربّما أكثر. الغريب؟ أنّ كل من رآها، ولو مرّة، حملها معه. بذاكرته. بعينيه. بطريقةٍ لا يعرف أن يشرحها. هي لا تُنسى. لا تُكرّر. لا تشبه شيئًا آخر.

    أحيانًا، حين تسكنك صورة الغزالة، لا تعود تراها في الحقول فقط. بل تراها في نظرة، في صوت، في ظلّ عابر على الحائط. تتحوّل الغزالة إلى رمزٍ داخلي. رمز لما لم تمتلكه يومًا... ولن تملكه. ومن هنا، ربما، جاء سحرها. أنّها حاضرة دون أن تكون لك.

ختامًا

    وفي النهاية، لا... ليست الغزالة مجرد كائن يركض في العشب ويختفي. هي شيء أعمق. شيء يمرّ بك ولا يمرّ فعلًا. كأنها فكرة تمشي، لا تُمسك، لا تُعاد، ولا تُفسَّر.
ما الذي تفعله؟ لا شيء... لكنها، رغم اللاشيء، تترك أثرًا. حضورها يشبه صمتًا حادًّا، يشبه همسة لا تُنسى. هي الرشاقة تمشي على أربع. الخوف الأنيق. الحذر الجميل. والقوة... القوة التي لا تصرخ.

    الغزالة لا تحتاج أن تُثبت شيئًا. هي تبرهن بوجودها، بحركتها، بنظرتها التي لا تنظر إليك لكنها تُربكك. تعلّمك أنّ البقاء ليس بالصوت العالي. بل بخفّة الخطوة. بذكاء النجاة. بقدرة غريبة على التوقيت.

    وإذا... فقط إذا رأيتها ذات يوم، في غفلة من الوقت، بين عشبٍ لم يُدهَس بعد... لا تتقدّم. لا تُصدر صوتًا. فقط... قف. دَع العالم يصمت للحظة، واترك عينيك تملآن من ذلك المشهد الذي لا يشبه شيئًا آخر. هي هناك، بين الضوء والظل، بين الحضور والاختفاء. لا لتُلتقَط بصورة، بل لتُحسّ. لا لتُفهَم، بل لتظلّ في داخلك كسرّ لا يحتاج تفسيرًا. شيء يشبه الحُرّيّة... وشيء لا اسم له أبدًا.

    هل سبق لك أن شاهدت غزالة في البرية؟ شاركنا تجربتك أو رأيك في التعليقات أدناه!

تعليقات

عدد التعليقات : 0