الحقيقة المُروّعة وراء عيون البومة الثاقبة!
هل سبق وأن نظرت إلى البومة مباشرة؟ أقصد، نظرة طويلة، متعمّقة، تلك النظرة التي تشعرك وكأنّك مكشوف، عارٍ من الأسرار، وكأنّ هذا الطائر الليلي يرى ما لا يُرى؟! نعم، تلك العيون. تلك العيون اللعينة الواسعة، الثابتة، اللامعة التي لا ترمش، ولا تهرب، ولا تخاف. بل أنت من يخاف، حتى ولو لم تعترف بذلك.
البومة ليست طائرًا عاديا. أو دعنا نقول: لم تكن يوماً ضمن التصنيفات المألوفة في ذهن البشر. هي أشبه ما تكون بحارس ليلي في مكتبة مهجورة، تقرأ العناوين على الرفوف بينما يظن الجميع أنّها نائمة. في الواقع، لا تنام. وإن نامت، فهي لا تنام كما ننام نحن. نصف عقلها مستيقظ، يتسلل في الظلام مثل فكرة غريبة في منتصف الليل.
لكن ما سر تلك العيون؟ ولماذا يقال عنها إنها "ثاقبة"؟
عيون لا تدور لكنها ترى كل شيء!
تخيّل أن تنظر في عيون لا تعرف الالتفاف، لا تُلاحق الحركة، لا تُدير رأسها كما نفعل نحن بل تبقى جامدة، صارمة، مرعبة بثباتها الغريب! عيون البومة، يا صديقي، ليست مثل أيّ عيون رأيتها من قبل. عيون لا تتحرّك قيد أنملة، لا ترتجف، لا تتردّد. كأنّها حُفرت في جمجمتها بمطرقة ويد خفية! لا زوايا، لا التواء، فقط نظرة مستقيمة تشقّ قلبك.
لكنّ العجيب أنّها لا تحتاج تحريك عينيها. لماذا؟ لأنّ رأسها يفعل كل شيء! نعم، رأسها ذاك العجيب، المَرِن بشكل لا يُفسّر، يدور وكأنّه قطعة من عرض سحري مخيف. يلتف بطريقة تجعلك تبتلع ريقك مرتين. ليس فقط نصف دائرة، بل أكثر، أكثر بكثير! أحيانًا تشعر أن رأسها قد ينقلب للخلف ثم يعود في أقل من رمشة.
ليس ذلك عبثًا. هي تفعل ذلك لتُشاهد، لا، بل لتفهم! كأنّها تتنصّت على همسات الغابة. كل ورقة تهتز، كل فم يتنفس، كلّ ارتجافة في الفراغ تعرفها. تحللها. تحفظها في ملفات ذهنية لا نراها. وما أن تحين اللحظة، تنقضّ دون سابق إنذار.
البومة لا تنظر، بل تخترقك
ليست نظرة، بل تشريح بصري. تشعر أنّك صرت كتابًا مفتوحًا، تُقلب صفحاته بعينين لا ترفّان. أنت لا تراها، بل هي من ترى ما خلفك. خلف عينيك. خلف قناعك. البومة لا تراك كجسد. بل كفكرة. كارتجافة صغيرة في الهواء.
ولأنّها لا تصدُر منها أصوات حين تطير، تشعر أنّها لا تنتمي لهذا العالم أصلًا. تمشي على حدود الحكايات القديمة. تلك التي تقول إنّ لكل طائر سرًّا.وسرّ البومة؟ أنها تعلم. فقط تعلم.
ثم، لحظة! هل سمعت ذلك؟ لا؟ بالضبط! لأنّ جناحيها مصمّمان لامتصاص الزمن نفسه، لتخترق السكون دون أن تُشعره.
والأدهى؟ أنّك حين تراها، تظنها حَكيمة. هادئة. روحٌ شاعرة تجلس فوق غصن. لكن الحقيقة؟ هي لا تكتب الشِعر بل تكتبه عنك. تسجّلك في ذاكرتها الدقيقة، تقيّمك. ولربما، فقط ربّما، تنتظر اللحظة التي تراك فيها ضعيفًا بما يكفي لتختفي فجأة، تاركة خلفها ظلالًا وأسئلة!
البومة جاسوس الليل بلا منازع
تخيّل أن يكون الليل نفسه جاسوسًا، أن يتحوّل السكون إلى كمين، وأن يكون الهواء مجرّد مسرح جريمة لا يترك خلفه أثرًا تلك هي البومة. ليست مجرد طائر، بل طقوس، طيف، كيان يهمس للظلام ويوقّع على غيابه بضربة جناح لا تُسمع!
لا، ليست جائعة فقط. هي لا تصطاد لتأكل وفقط، بل لتُرضي شيئًا ما أعمق، غرورًا ربما، أو وحشًا بداخلها لا يهدأ إلا إذا حلّق في صمت وسرق الحياة من كائن غافل. أتعرف ما الأكثر رعبًا؟ صوت جناحيها غير موجود! فعليًا غير موجود! كأنها طيف عابر، تمزّق الهواء دون أن تترك خلفها ولو ذرّة صوت. لا رفرفة، لا خفقة، لا صدى فقط ظلّ يمر. ومَن يمر عليه؟ انتهى.
شيء من الجنون، أليس كذلك؟ فرائسها لا ترى موتها قادمًا. فقط لحظة واحدة كانت هناك وفي اللحظة التالية؟ لا أحد.
والمضحك – نعم، المضحك حدّ القشعريرة – أن الناس يُقسمون أنّها رمز الحكمة. حكيمة؟ ربّما ولكن مَن قال إنّ الحكمة بريئة دائمًا؟! أحيانًا، الحكمة تأتي بأجنحة صامتة وعيون لا ترمش ومخالب تعرف متى تهاجم، ومتى تختفي في العتمة دون أثر.
رموز وأساطير بين الشر والخرافة
هي ليست طائرًا وحسب بل لُغز يتقافز بين الأساطير. بين ليلة دامسة وصوت حادّ يخترق السكون، وبين نظراتٍ تخترقك كما لو أنّها تقرأ تاريخك السريّ بأكمله!
في زاوية من العالم، حين تُطلق البومة صرختها، يُغلق الناس نوافذهم. يضعون أيديهم على قلوبهم. "موت قادم" هكذا يقولون. وكأنّها رسول الظلام، ساعية نحس لا تخطئ طريقها. كانوا يهمسون: "إن ظهرت فوق البيت، فالموت على الباب!" كم هو مرعب أن يُحمّل جناح طائر كل هذا السواد.
لكن مهلاً اقلب الخريطة، وستُفاجأ. هناك شعوب تُنصّب البومة ناطقة بالحكمة. مرشدة الأرواح، حارسة الأسرار القديمة، المخلوق الذي يرى في العتمة ما لا يراه البشر في وضح النهار. في معابدهم القديمة نُقشت صورتها، لا كرمز للخوف، بل كوصيّة صامتة تقول: "فكّر، راقب، لا تثق بكل ضوء، فالحق أحيانًا يُولد من الظلّ".
يا لها من مفارقة مذهلة! نفس العيون الثاقبة تُبكي أمًّا في قرية، وتُلهِم كاهنًا في معبد. طائر واحد فقط. نصف البشر يرتجف إذا ما سمعه، والنصف الآخر؟ يرفع له قبعة الاحترام.
ربما. وربما فقط، لأن البومة لم تُخلق لتكون في المنتصف. إمّا أن تحبها، أو تخشاها. لا منطقة رمادية هنا. مثل الليل نفسه. إمّا راحة وسكون أو فزع لا تفسير له.
البومة جسد صغير، قدرة مذهلة
جسدها؟ صغير، لا يلفت النظر كثيرًا. لا أجنحة مهيبة كالنسر، ولا نظرات متغطرسة كالصقر. لكن لا تنخدع. البومة لا تحتاج إلى ضخامة لأنّ رعبها في الهدوء. نعم، الهدوء القاتل!
ريشها؟ يا إلهي على ريشها! وكأنّه قطعة مخمل وُلدت من سُكون الليل نفسه. لا يصدر صوتًا، لا همسة، لا رفّة. إن طارت، لا تُسمع. وإن اقتربت، لا تُحَسّ. تصميم طبيعي عبقري، وكأنّ الأرض كلّها تعاونت على صُنع آلة اغتيال لا تُرى ولا تُسمع.
لكن انتظر، لم تنتهِ القصة بعد. رأسها يخفي سرًّا آخر. أذنان؟ نعم، لكن ليستا كأي أذنين. واحدة أعلى، وأخرى أسفل قليلًا، كأنّها خُرقت عن قصد في مكانين غير متساويين. لماذا؟ لأنّها تحتاج أن تسمع كل شيء! كل صرير. كل نقلة. كل نبضة. تخيّل أن تملك أنت رادارًا مزروعًا في دماغك، يلتقط خشخشة جناح حشرة على بعد شجرة!
إنها البومة، رشيقة كالشبح، دقيقة كالمحرار، وساحرة كأنها جاءت من قصة خرافية لكنها خرافة تأكل في الظلام.
لحظة! ماذا عن مخالبها؟
ليست مجرّد أظافر حادّة كما تتخيل. لا، لا، لا. نحن لا نتحدث عن زينة للطيران أو وسيلة للتمسّك بالأغصان. نحن نحكي عن مخالب لا تعرف المزاح، لا تتردّد، لا تمنح فرصة ثانية!
تخطف؟ بل تَسحق. تُمسك؟ بل تُطبِق وكأنّ العالم كلّه انضغط تحت قبضتها. لحظة الهجوم؟ تُصبح فيها البومة مخلوقًا آخر. مخلوقًا لا يسمع، لا يرى، لا يشعر بشيء سوى النبض الذي دلّه على فريسته. لا خطوط حمراء، لا شفقة، لا تردّد.
والأغرب؟ كل هذا العنف ينبثق من مخلوق يبدو كحكيم عجوز يُحدّق في الأفق. لكن حين تُقرر أن تتحرك... يا للكارثة! تنقضّ كنيزك مجنون سقط من السماء. خاطفة. صارمة. صامتة. ولا أحد ينجو.
المخالب عند البومة؟ ليست أدوات. بل هي نهاية القصة، خاتمة الحدوتة، السطر الأخير في حياة من اختارته الطبيعة ليكون وليمة!
ملاحظة غريبة هل رأيت وجه فرخ البومة؟
لا تمزح. جرب ذلك، فقط لمحة. ستشعر بشيء غريب يسري في ظهرك، كأنّك فتحت بابًا ما كان ينبغي لك فتحه. تلك العيون ضخمة! أضخم مما يجب، وكأنها لا تنتمي لمخلوق صغير، بل لكابوس نائم. عيون لا ترمش، لا تبتسم، لا تُغلق. تحدّق. فقط تحدّق.
وذاك الوجه؟ جامد. بلا ملامح. بلا نغمة. كأنه وجه دمية خُزِنت لسنوات في علّية منزل متهالك، وسط غبار وهسهسة زمنٍ لا أحد يتذكره. شيء في هذه الكائنات الصغيرة يُزعج العقل، يحكّ في داخلك كأنك رأيت شيئًا لا يُفترض بك أن تراه.
هل هذا يعني أنّ الجمال ليس له مكان في عالم البوم؟ ربّما. أو ربّما الجمال عندهم شيء آخر تمامًا. ليس نعومة ريش، ولا تناسق شكل، بل قدرة خفية. فِراسة لا تُفسّر. عينان، إن نظرتا إليك، تشعرك بأنّهما تعرفان ما تفكّر فيه قبل أن تفكّر فيه!
فراخ البوم؟ ليست لطيفة. ليست “كيوت” كما يقولون. بل مرآة غريبة، تعكس شيئًا قديمًا، خامدًا، يُطلّ من عُمق الليل يراقب.
في الختام هل ما زلت تراها "طائرًا عاديًا"؟
آه، لو كنت كذلك، فاسمح لي أن أقول إنك لم تنظر طويلًا في عينيها. البومة ليست مخلوقًا يُدرج في قوائم الطيور وحسب. لا. إنّها حادثة كونية. كيان يطفو بين الأسطورة والظل، بين الصمت والصوت الذي لا يُقال.
هي اللغز الذي لا يبوح، والخوف الذي لا يصرخ، والعين التي ترى ولا تُرى. تسكن الأشجار كما تسكن القصص، تراقب كما يراقب القدر، تطلّ فجأة كما يظهر الحظ أو المصيبة! ليست هناك مبالغة. لأن من جرّب أن يحدّق فيها طويلًا، شعر بشيء ما يتحرّك في أعماقه، شيء لم يكن يعرف أنه هناك.
كل مرّة تسمع فيها نداءها ذاك الصوت الشبيه بالإنذار القديم. صداه لا يُمحى بسهولة. فربّما، فقط ربّما، كانت تُخبرك بأنّ الليلة مختلفة. وأنّ هناك شيئًا، في مكان ما، على وشك أن ينكسر أو يبدأ.
تجربتي مع البومة
هل رأيت البومة من قبل؟ أقصد، هل التقت عيناك بذاك الكائن الليلي العجيب؟ لا من خلف شاشة، ولا في صورة معلّقة، بل وجهًا لوجه، في ليلٍ حقيقي، حيث لا ضوء إلا من القمر؟
أما أنا... فقد حصل ذلك. لحظة لا تُنسى. كانت هناك، فجأة. مرت. لا، طارت. لا، انزلقت كأن الليل نفسه شقّ طريقًا لها! لم أرَ جناحيها، لم أسمع صوت الريش، لم أفهم ما حدث. فقط شعرت بشيء مرّ أمامي بسرعة تُربك المنطق، وتتركك حائرًا بين الواقع والخيال.
توقّفت. لا أعلم لماذا توقّفت. لكنّها فعلت. فوق جذع شجرة مهترئة، كما لو أنّها تعلم تمامًا ماذا تفعل، وكأنها اختارت المسرح بعناية. وعيناها... يا إلهي، عيناها. دائرتان هائلتان، لا رمش فيهما، لا رجفة، فقط نظرة تسافر إليك وتخترقك بلا استئذان.
تجمّدت. لم أجرؤ على الحراك. كنت طفلًا كبيرًا، مذعورًا بسعادة. كنت أمام أسطورة. ليست حكاية تُروى، بل طائر حيّ، من لحم وريش وصمتٍ قاتل.
صدقني. ليست مجرّد لحظة. إنها ومضة تبقى فيك. بعض المشاهد لا تغادرك أبدًا، وبعض العيون تسكنك إلى الأبد.
هل أعجبتك هذه الرحلة داخل عيني البومة؟ هل تريد أن نكمل بسلسلة عن "مخلوقات الليل الغامضة"؟ قل لي، وسأبدأ فورًا!
للمزيد من المعلومات حول البومة ستجدها هنا