معلومات عن الذئاب: أسرار الحياة البرية وسلوكياتها المدهشة

معلومات عن الذئاب: أسرار الحياة البرية وسلوكياتها المدهشة
المؤلف عالم الحيوانات
تاريخ النشر
آخر تحديث
معلومات عن الذئاب: أسرار الحياة البرية وسلوكياتها المدهشة



















ذئبان أبيض وأسود في موطنهما







    حين تُقال كلمة "الذئاب"، لا يهبّ إلى الذهن تعريفٌ واضح… بل عاصفة. صورٌ متضاربة، كأنّ الذاكرة تتخبّط بين كوابيس الطفولة وأفلام الطبيعة الباردة. أحيانًا نراها كلصوص الليل، وأحيانًا كأنها ظلّ شاعرٍ يركض وسط الضباب، لا يُمسَك ولا يُفهم.

    الأساطير؟ ملأتها الذئاب. الخرافات؟ نسجت لها أنيابًا تلمع في الحكايا. لكن الوثائقيّات… تُظهر وجهًا آخر. ذلك الكائن الذي يمشي ببطء، بثقة، كأنّه يحمل في خطواته حزن ألف عام وحنكة قبيلةٍ كاملة. الذئب ليس ذئبًا فقط، بل كائنٌ فيه من الوجع والعظمة ما يجعلنا ننكمش أمام مرآة أعينه.

    الغريب؟ أنه لا يُشبه أحدًا. لا هو كلب أليف، ولا وحشٌ هائج. شيء بين الاثنين… وربّما أبعد. لكن لحظة، مهلًا، لنُبطئ قليلاً. من هو الذئب أصلًا؟ هل هو ذاك "الشرير الأيقوني" الذي عرّفته لنا القصص؟ أم أنّه فقط ضحية سوء فهم قديم؟ كم رواية ألصقت به تهمة ما دون تحقيق؟ كم صورة قاسية رسمناها له، فقط لأننا أردنا وحشًا نعلّق عليه فزعنا؟! الحقيقة؟ لا أحد يعرفه تمامًا. ولا هو يحاول شرح نفسه. لكنه، رغم الصمت يقول الكثير.

بين الحقيقة والخيال صورة الذئب في أذهاننا

    بين ما نعرفه وما نظنّ أنّنا نعرفه... هناك الذئب. ذاك الكائن الذي طالما رقص بين حبال الأسطورة والحقيقة، وتمزّق مرارًا بين صفحات الخرافة وصمت الغابة. في أذهاننا، لا يظهر الذئب عادةً إلا وهو يزمجر بفمٍ ملطّخ، أو يتربّص بطفلة حمراء الرداء، أو ينسلّ من نافذة الجدّة مرتديًا قناع الوداعة المزيفة! كأنّنا نصرُّ على أن نراه شريرًا ولو لم يكن.

    وهكذا، تسلّلت هذه الصورة من كتب الطفولة إلى زوايا الواقع، كضبابٍ لزج. فصار الذئب، في كثيرٍ من المجتمعات، رمزًا للخيانة، للغدر، لما يجب أن يُطارد ويُبعد، حتى لو لم يُخطئ.

    لكن... من قال؟ من قرّر أن الذئب يجب أن يكون شريرًا؟ أليس هو فقط، في نهاية المطاف، كائنٌ يحيا بشروط البرّية؟ لا يهجم إلا إذا اشتدّ الجوع، ولا يقترب إلا إن اضطرّ، ولا يدخل في مواجهة إلّا إن ضاق عليه العيش وضاعت منه المسارات. حذِر؟ نعم. مراوغ؟ ربما. ولكنّه لا يهوى الدم، ولا يسعى وراء الصراع إلا إذا خُيِّر بينه وبين الفناء.

    الغريب أنّنا ننسى، أو نتناسى، أنّ الذئب يبتعد غالبًا. يتراجع. يذوب في ظلّ الشجر بدل أن يقتحم الطريق. يخافنا أكثر مما نخافه... لكننا لا نصدّق.

الذئاب من هم أصلًا؟

    من هم الذئاب؟ سؤالٌ يبدو بسيطًا... لكنه، والحق يُقال، يشبه الوقوف على حافة غابة كثيفة، لا تُبصر أولها من آخرها. الذئب ليس مجرد "حيوان من الكلبيّات"، لا... هو سُلالة الزمن، حفيد البراري القديمة، وريث الغموض العتيق.

    يعيش هذا الكائن حيث يعيش التحدي. في الثلوج، بين شجر الصنوبر المُثقل بالصقيع. في الصحارى، حين يغلي الرمل تحت القدمين. في السهول الشاسعة، حيث لا جدار ولا مأوى سوى الغيوم العابرة. وفي المرتفعات؟ نعم، حتى هناك يترك الذئب بصمته على الصخور الباردة.

    النوع الأشهر؟ الذئب الرمادي، ذاك الذي تتحدث عنه الأساطير وتوثّقه الكاميرات الخفية، والذي يحمل في عينيه حكاياتٍ لا تنتهي. كأنّه وُلد من ضوء القمر ودماء الصيد.

    لكن الذئب لا يعيش وحيدًا. القطيع... آه، القطيع! مجتمعٌ مُصغر بكل ما فيه من شيفرة حياة. في قلبه قائد وقائدة، زوجان لا يُكسر عهدهما، يشبهان ملكًا وملكة على عرش خفيّ. هما من ينجبان، هما من يقرّران، والباقي؟ الباقي جنود... ومربّون... وصيّادون... وأوصياء على النظام.

    والعجيب؟ لا صراع، لا غيرة، لا انقلابات كما عند البشر. كل ذئب يعرف مكانه، ويحرس دوره كما يُحرس السرّ. احترامٌ فطري، ليس بفعل القوانين، بل لأن البقاء هناك لا يُمنح للضعفاء ولا للفوضى.

صوتُها ذاك العواء الذي يُشبه بكاء الأرض

    صوتها... لا، ليس مجرّد صوت. ذاك العواء... آه، ذلك العواء الذي يشقّ الهواء كخيط من نارٍ على قماش الليل، ذاك الذي لا يُشبه صراخًا، ولا غناءً، بل شيءٌ بين الاثنين، بين الألم والرغبة، بين الحياة وشظاياها.

    حين تعوي الذئاب، فإنّها لا تطلب الدم، كما يُخيَّل لبعضنا. هي لا تنذر بالموت، بل تُعلن حضورها. العواء ليس سلاحًا، بل رسالة. الذئاب... تتكلّم، لكن ليس بأصواتنا. تعزف لغتها الخاصة، تلك التي لا تُكتب ولا تُترجم. تنادي صغيرًا تاه، أو تُرسل نبأ الخطر، أو تخبر القطيع: "أنا هنا، لا تخافوا، لم أمت بعد".

    والليالي... يا لتلك الليالي! حين يعلو القمر، وتخفت أنفاس المدينة، تسمعه فجأة. عواءٌ بعيد، يتردّد فوق الأشجار، بين الصخور، كأنّه ذاكرة الغابة ذاتها تتكلّم. في ذلك الصوت، شيء من الحنين، شيء من الوحدة، شيء من صلاةٍ لم يُكملها أحد.

    ليس عجبًا أن يُشبّهه البعض ببكاء الأرض. فالعواء لا يُسمع فقط، بل يُحسّ. يدخل إلى الجوف... يهزّ شيئًا قديمًا، شيئًا نسيه الإنسان منذ قرون.

الذئاب والصيد ليسوا قتلة عشوائيين

    الذئب... ذاك الكائن الذي كثيرًا ما وُصمَ بما ليس فيه. يُقال إنه قاتل بلا ضمير، مفترسٌ متعطّش للدماء، لكن الحقيقة؟ أبعد ما تكون عن هذا التصوّر السطحي. الذئب، في عمق سلوكه، صيّاد حكيم، لا يُهاجم عبثًا، ولا يُراكم الجثث كهاوٍ مهووس بالفوضى.

    هو لا يخرج ليرتكب مجازر. لا يتحوّل إلى ظلّ أسود يُبيد كل ما يتحرّك. بل يختار فريسته كما يختار شاعرٌ كلمته. ينتقي. يترصّد. يلاحظ علامات الضعف، التراخي، المرض ثم يتحرّك. وهذا، وإن بدا قاسيًا، يُعيد التوازن إلى رقصة الطبيعة. إذ يبقى الأقوياء، وتنقرض السلالات الأضعف، دون تدخّل الإنسان.

    والأعجب من ذلك؟ أنّ الذئب، حين يشبع، لا يلمس شيئًا آخر. لا يُخزّن، لا يدفن، لا يُبعثر طعامًا كما تفعل بعض الكائنات. يشبع، فيرحل. وكم من حكاية تُروى عن ذئبٍ تراجع عن قتل فريسة لأن بطنه لم يعد يطلب المزيد.

    ثم هناك تلك التفصيلة التي لا يعرفها كثيرون... الحزن. نعم، الذئب يحزن. بشدّة. حين يفقد رفيقه، أو قائده، أو أنثاه، ينهار بصمت. قد يمتنع عن الأكل. يبتعد. ينطوي على ذاته كأنّه لا يريد أن يُرى في ضعفه. هو ليس آلة قتال، بل مخلوقٌ يحمل في داخله مزيجًا غريبًا من الوحشيّة والرهافة.

هل الذئب خطر على الإنسان؟

    هل الذئب حقًا يُشكّل خطرًا علينا؟ سؤالٌ يتكرّر كما تتكرّر الأحكام المسبقة، وكأنّ الجواب معروف... لكنّه ليس كذلك. في الحقيقة، الذئب، ذاك الكائن الذي يعلو صوته في الليالي الباردة ولا يُرى إلا لمامًا، لا يبحث عنّا. لا يتعقّبنا. لا يسعى لافتراسنا كما توحي القصص التي ملأت بها جدّاتنا ليالي الطفولة. بل العكس تمامًا. الذئب، في أغلب الأحيان، يُفضّل الابتعاد، يراقبنا من بعيد، ويتمنى لو كان له أن يتمنّى أن لا نراه أصلًا.

    لكن الأمور لا تسير دائمًا كما يشتهي الطرف الأضعف. الإنسان، بكامل ثقله، بتوسّعه، بتعدّيه على مواطن الغير، يقتحم الغابات، يفتح طرقًا في قلب البراري، يبني البيوت في أعشاش الذئاب... ثم يتساءل: لماذا اقترب الذئب؟

    ما يحدث ليس عدوانًا من الذئب، بل دفاعًا عن فتاتٍ من أرضٍ كانت له. هو لم يطلب المواجهة، ولم يعلن الحرب. نحن من اقتربنا أولًا، ونحن غالبًا من نُطلق الرصاصة الأولى.

    والغريب؟ أنّ الذئب، رغم كل ما يُقال عنه، ما زال متسامحًا أكثر مما نظن. لا يهاجم إلا إن شعر بالخطر، لا يقترب من القرى إلا إذا جاع أو أُجبر. هو ليس غولًا. وليس صديقًا ودودًا أيضًا. إنّه مخلوقٌ بريّ، لا أكثر ولا أقل.

    ربّما لو أدركنا أنّ الخوف من الذئب صُنع في الروايات أكثر مما صُنع في الغابة، لأعدنا التفكير في علاقتنا معه. ربّما لو نظرنا في عينيه يومًا، لقرأنا فيهما ما هو أبعد من الخطر... لقرأنا الخوف.

الذئاب في الثقافة والأساطير

    الذئاب... تلك الأرواح المتخفّية خلف الظلال، لا تعيش فقط في الغابات، بل تسكن الذاكرة، وتُقيم في القصص، وتنام في جفن الأساطير. ليس حضورها حضور لحم ودم فقط، بل حضور شعري، رمزي، وأحيانًا... خرافي تمامًا! في كل ثقافة مرّ بها البشر، تجد الذئب جالسًا هناك، إمّا كرمز مقدّس، أو كوحش مخيف، أو كمخلوق يتربّص على حافة العقل البشري.

    في أساطير الشمال البعيد، الذئب حارسٌ لبوابة الفناء، يسبق الآلهة إلى المعارك. وفي قبائل الهنود الحمر، هو المعلّم، الرفيق، الروح التي تُرشد في العتمة. أمّا في تراث العرب؟ فحدّث ولا حرج... الذئب هناك لا ينام، لا يخون، لا يُذلّ. كأنّه تجسيد للكبرياء الذي لا ينكسر حتى في الصحراء الجرداء.

    "عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذ عوى..." هل هذه بيت شعر؟ أم صرخة حنين؟ أم لحظة تجلٍّ لإنسان أدرك أن الذئب، رغم كل شيء، أصدق من البشر الذين لم يعرفهم؟ كثيرٌ من العشّاق تشبّهوا بعزلته. كثير من الفرسان اقتبسوا من صمته. والغرباء، أولئك الذين ساروا وحدهم دومًا، وجدوا في الذئب مرآة لأرواحهم الممزقة.

    في بعض الكتب القديمة، الذئب كان هو "العارف". وفي شعارات النبالة، هو "المحارب الصامت". وحتى في القصص التي تُروى للأطفال وهم نصف نائمين، يُقال لهم: "احذر من الذئب!" لكنهم لا يقولون لماذا... لا يشرحون إن كان الذئب سيأكلهم، أم يُنقذهم من شيءٍ أسوأ!

هل نحن بحاجة إلى الذئاب؟

    سؤالٌ يُرمى في الهواء كأنّه نكتة... أو تهكّم... أو ربما استفهام فلسفيّ عميق يُخفي تحته اعترافًا لا نريد البوح به. لكن... الجواب؟ أوه، أبسط مما تتخيّل، وأعمق بكثير مما توقّعت. نعم. نحن نحتاج الذئاب، لا لأنّها مخلوقات جميلة أو لأنّها تستحق الحياة وحسب بل لأنّ الأرض، هذه الأرض التي نُفسدها بأقدامنا الثقيلة، تحتاجهم أكثر ممّا نعرف.

    حين اختفت الذئاب من غابةٍ ما، لم تحتفل الغزلان. لم ترقص الأرانب. بل انقلبت الغابة على نفسها! الأعشاب نُهِبت. الأشجار اختنقت. الأنهار جفّت أو جنحت عن مجراها كما لو أنها فقدت البوصلة. كل شيء اختلّ، كما لو أن آلة ضخمة تعطّلت لمجرد غياب مسمار صغير... والذئب، كان هو ذاك المسمار.

    في إحدى الحدائق القومية، أعادوا الذئاب بعد أن نُفوا منها لعقود. وما الذي حدث؟
الماء صار يهمس بطريقة مختلفة. الطيور عادت بأصواتٍ كانت قد غابت. القنادس، حتّى القنادس، بنت سدودًا جديدة! كأنّ الذئاب، من حيث لا ندري، كانت تحكم الكون بنظرة حذرة وعينٍ تراقب عن بُعد.

    الذئب ليس مجرد مفترس يطارد فريسته. بل هو حارس خفيّ للنظام. لا يلتهم من أجل الدماء، بل ينتقي، يُصفّي، يُعيد التوازن. وحين يختفي؟ الفوضى تأتي مهرولة. يا للسخرية. نحن من خافه، نحن من حارب وجوده، نحن من رسمه بأسنان حمراء في قصص الأطفال، ثم عدنا لنقول: "أينك؟ لماذا غبت؟"

في الختام...

    الذئاب؟ ليست كائنات تمشي في الظلام وحسب، ولا مجرد أعين تلمع في العتمة مثل أسطورة قديمة. الذئب… هو شيءٌ أعمق من أن نختصره بكلمة. هو حكاية محفورة على جذوع الغابات، على أنفاس الليل، على التراب البارد الذي مرّت عليه مخالبه ولم نلحظها.

    هل هو طيّب؟ لا. هل هو شرير؟ أيضًا لا. إنّه فقط… صادق بطريقة تزعجنا. لا يراوغ، لا يبتسم حين لا يريد، لا يُجامل الحياة، ولا يزيّف ردوده كي نحبّه. يتبع غريزته كأنّها نداء مقدّس لا يقبل التفاوض. ولربما لهذا السبب نخافه لأنه لم يتعلّم الكذب مثلنا.

    الذئب لا يعيش بيننا، لا يطلب منا الكثير. فقط بعض المسافة. بعض الاحترام. أن نتركه يواصل دوره في تلك السلسلة القديمة، في نظامٍ لم نخترعه نحن، ولم نسمح له بأن يشرح لنا شروطه. لكنّه فهم اللعبة، وعرف كيف يستمر. فهل نسمح له بالاستمرار؟ هل نعطيه مساحةً لا ليكون بطلاً في قصة أطفال بل ليكون فقط ما هو عليه؟

    لربما... إن توقفنا عن قتله باسم الخوف، إن أنصتنا له عندما يعوي ليس كصوتٍ مخيف، بل كأغنيةٍ حزينة لم نُجِد تفسيرها بعد سنفهم. نعم، سنفهم. أو نحاول على الأقل. فالذئب لم يتغيّر. نحن فقط نسينا كيف نسمع.

    هل لديك تجربة أو رأي حول الذئاب؟ شاركنا أفكارك في التعليقات أدناه، فمشاركتك تهمنا.

تعليقات

عدد التعليقات : 0