معلومات حول النمر

معلومات حول النمر
المؤلف عالم الحيوانات
تاريخ النشر
آخر تحديث







معلومات حول النمر














    هل رأيته من قبل؟ ذاك الظلّ الصامت الذي ينساب بين الأشجار دون أن يُحدث خشخشة؟ الكائن الذي لا يسأل، لا يعتذر، ولا يحتاج إلى جمهورٍ ليعرف من هو؟

    النمر... مجرّد لفظ اسمه يُحدث في القلب ارتعاشة غريبة، وكأن الغابة نفسها تتوقّف لحظةً احترامًا لمروره. هو لا يركض خلف المجد، ولا يتباهى بما منحه الله من جمال وفتك. فراؤه ليس مجرد جلد ملوّن. هو خريطة من النقوش، كلّ بقعة فيها تحمل حكاية، وكلّ ظلّ يوحي بشيء خفيّ. النمر لا يشبه أحدًا. نظراته تشقّ الهواء كما يشق السهم قلب الهدف. صمته أعلى من كل أصوات الغابة مجتمعة.

    ليس مفترسًا فقط. لا، لا تُقلّل من شأنه هكذا. هو أسطورة. أسطورة لُفّت بحبال من حرير قاتل. يتقدّم حين يقرر، ويتراجع حين يرى أن اللحظة لم تنضج بعد. لا يُطارده الجوع فقط، بل تُرافقه كبرياء لا تُقارن، كبرياء لا تضطره إلى العويل كغيره. يكفي أن يقف. أن ينظر. أن يتنفس. عندما يجوع، لا يُعلن ذلك. لا يصرخ ولا يزمجر. بل يتحرّك كالريح التي لا تُرى، لكنك تشعر بمرورها على الجلد. كالقدر حين يهبط دون إنذار.

    النمر لا يطلب الإذن. لا يعتذر حين يفتك. هو يفعل ما يجب فعله، ثم يختفي كما جاء، لا صوت، لا دموع، لا تأنيب ضمير. إنّه مخلوق من نوع آخر، نوع لا يتكرّر، ولا يقبل أن يُقارن. ولو كنت من أولئك الذين لا يهابون شيئًا جرّب أن تلتقي عينه بعينك. حينها فقط ستفهم أنك لست وحدك في القمة، وأن هناك من يراك مجرد صدى لخطاه العتيقة.

    النمر، يا صديقي، ليس ملك الغابة كما يقولون. هو ظلّها، صمتها، سكونها الذي لا يُطاق. هو السيّد بلا عرش.

موطن النمر وتوزّعه

    موطن النمر؟ سؤال يبدو بسيطًا لكن الإجابة؟ أكثر تعقيدًا مما تتخيّل. النمر ليس سجينًا لغابة، ولا أسيرًا لأدغالٍ بعينها. ستجده حيث لا تتوقّع، من ظلال البامبو في آسيا إلى حوافّ السافانا الإفريقيّة، يتسلّل بين المطر، أو يستلقي بصمت في زوايا الجبال، أو يترك آثار أقدامه في الرمل الساخن، دون أن يطلب إذنًا من أحد.

    هو لا يسكن المكان بل يروّضه. وكأنّه يقول للطبيعة: "لا تحاولي احتوائي... أنا من يوسّع حدوده". لا يحتاج لمناخٍ معين، ولا لطبيعة مثالية. فقط مسافة كافية ليختفي وينتظر.

    لكن، كما العادة، ما ينجو من الإنسان؟ بخطى ثابتة ولكن عمياء، يقتحم البشر عوالم لا يفهمونها. يصطادون ما لا يحتاجونه، ويبنون حيث لا يلزم، ثم يتساءلون... أين اختفى النمر؟

    هو لم يختفِ، بل نحن من أغلقنا الأبواب في وجهه. حاصرناه بين جدران الإسمنت والخرائط المقطّعة، حتى صار وجوده كالحلم يُرى أحيانًا، ويُنسى غالبًا.

    رؤية نمر اليوم؟ أشبه بلحظة خارجة عن الزمن. استثناء لا يتكرر، هبة من الطبيعة لمن لا يخاف أن ينظر في عيني الأسطورة. النمر ما زال هنا لكنّه الآن، أكثر حذرًا، أكثر صمتًا، ينتظر فقط أن نُحسن الإصغاء قبل أن يختفي فعلًا.

سلوك النمر وطريقته في الحياة

    سلوك النمر؟ لا تسأل عنه كأنك تبحث عن دليل سياحي فالنمر لا يُفسَّر. هو ذاك الذي يعيش على الهامش، في الظلّ، بين الصمت والنسيان. لا يحتمل الازدحام، ولا يقبل الشركة. لا شقيق له في الأرض. فحين يُولد، يُولد مع فكرة الوحدة، ويتعلّم منذ نعومة مخالبه أن لا أحد معه، ولا أحد له.

    لا يصنع ضجيجًا، لا يتودد، لا يطلب ودّ أحد. هو لا يزأر مثل الأسد كي يثبت أنه هنا، بل يكفيه أن يمرّ بجوارك، دون أن تراه، لتشعر بالارتجاف في الهواء، وكأن قلب الغابة خفق فجأة بلا سبب.

    إنه كائن يمشي فوق التراب كما لو أنّه يعتذر له عن الخطوة. يتسلّل على رؤوس أصابعه، لا لأنه خائف، بل لأنه يحترم الصيد. هو لا يهجم لمجرد أن يكون مهاجمًا.
بل يراقب. ينتظر. يصبر. يرسم المشهد في رأسه كما يرسم الفنان ضربته الأخيرة على لوحة لم يُعجب بها بعد  ثم فجأة ينقض. ويحدث كلّ شيء بلا صوت، بلا فوضى، بلا عثرات. مجرد قرار، ثم سقوط هادئ ونهاية لم تكن في الحسبان.

    وإن رأيته، فربما لم يرك. أو ربما رآك، وقرّر تجاهلك. ولعلّك مررت بجانبه يومًا، ولم تعلم أنك كنت تمشي جوار نصلٍ مغمد، لم يُرد فيك أذى. إنه شبح الطبيعة أسطورة تمشي على الجلد والبقع والعضلات الهادئة. كائن لا يحتاج إلى إثبات، بل يحتاج فقط إلى المساحة... والمسافة. وهذا ما يجعله أكثر الكائنات غموضًا، وهيبة، وربما... شاعرية.

غذاء النمر وطريقته في الصيد

    غذاء النمر؟ وطريقته في الصيد؟ لا تُسأل هذه الأسئلة وكأنك تتحدّث عن وجبة في مطعم فأنت تتكلّم عن فنّ، عن طقس، عن مسرحية صامتة لا تُعرض إلا مرّة واحدة، ولا يصفّق لها أحد.

    النمر لا يجري خلف فرائسه كالمجنون. هو لا يُحبّ الضوضاء، لا يؤمن بالضجيج ولا يعترف بالفوضى. هو كائن يُفكّر قبل أن يخطو، يُخطّط قبل أن يهمس، يتنفّس وهو يترصّد. ينتظر اللحظة التي يسهو فيها الزمن. يختبئ، يقترب، يتجمّد. كأنه ظلّ الشجرة أو انثناءة في الريح. ثم، وبدون إنذار، ينقضّ! وما إن تفهم الفريسة أنّ هناك شيء قادم حتى تكون قد أصبحت ذكرى.

    هل هو ماهر؟ لا. هو أكثر من ذلك. هو "دقّة". هو "انعدام الندم". هو "الضربة التي لا تُجرّب مرتين".

    أما غذاؤه؟ فهو لا يتسوّق، ولا يجمع، ولا يكدّس. هو يأخذ ما يحتاج. غزال؟ خنزير بري؟ طائر ثقيل لم يكن حذرًا؟ ربما قرد نزل من الشجرة في لحظة غباء؟ كلّ شيء وارد. لكنّه لا يقتل للترف، ولا يصطاد ليملأ سجله. وإن اضطُر، قد يمدّ نظره نحو وجبة نسيها مفترس آخر ولكن بصمت الكرام. النمر لا يسرف. لا يبالغ. لا يعبث. هو يعرف أنّ الغابة تراقب وأنّ كلّ قطرة دم لها ثمن.

أشياء قد لا تعرفها عن النمر

    أشياء قد تبدو غريبة، لكنها حقيقيّة تمامًا عن ذاك الكائن المكسوّ بالبقع والسكون.

    هل كنت تظنّ أنّ النمر يخاف الماء؟ أعد التفكير. فهو لا يكتفي بالاقتراب من الجداول، بل يغوص، يسبح، يرقص تحت الماء كأنّه خُلق للغرق والطفو معًا. في لحظات، يتحوّل من صيّاد أرضي إلى شبح مائي.

    وصوته؟ لا تتوقّع زئير الأسد المجلجل. النمر لا يُحبّ الضوضاء، حتى في صوته. هو يزمجر ويخرخر كأنّ في حنجرته غابة تُهمس، لا تُصْرخ. كلّ صوت يصدر منه له معنى، وله وقت.

    ورغم كلّ هذا الجبروت، للنمر قلب لا تراه إلا حين يكون أبًا. يتحوّل من قاتل محترف إلى راعٍ حنون، يلعق فرو صغيره، يدفعه بلطافة ليقف، يعلّمه كيف يقترب كيف يترقّب ثم كيف ينقضّ. تدريب أشبه بوصية.

    أما تلك النمور التي اختارت آسيا موطنًا؟ فبعضها لم يعد يخشى البشر. حين تضيق الغابة وتفرغ الجداول ويغيب الغزال تبدأ الخطوات الثقيلة بالاقتراب من القرى. لا بدافع العدوان، بل بدافع النجاة.

هل النمر مهدد بالانقراض؟

    هل سمعتَ الصمت الذي يُخلفه غياب مَن كان يُرعب الغابة؟ النمر ذاك الظلّ الثقيل الذي يختبئ خلف الشجيرات، ذاك الذي لا يُرى إلا حين يشاء بدأ يبهت.

    نعم، الحقيقة قاسية. النمر في طريقه ليصبح مجرّد ذكرى. السومطري السيبيري الملايوي. أسماء كانت تُدوّي في البراري، واليوم تُسجَّل في القوائم الحمراء، واحدة تلو الأخرى.

    أشجار تُقطَع ومدن تتمدّد كالأخطبوط وبنادق تبحث عن الفراء والذهب الأسود الذي يسكن الأعضاء. كأنّ الإنسان لم يكتفِ بأن يسرق الأرض، بل يُريد أن يُسكت كلّ من لا يتكلّم بلغته.

    لكن، هل انتهت الحكاية؟ لا بعد. ما زالت هناك محميّات تُقاتل بصمت. قوانين تُكتب بدموع العشّاق للطبيعة. برامج تكاثر تحاول إعادة ما انكسر، قطعة قطعة.

    المشكلة؟ ليست في غابة واحدة، ولا في صياد واحد. بل في فكرة. أنّ النمر لا يُهمّ لأنه ليس نحن. لكن اختفاءه لن يكون مجرّد نقصان عدد، بل خسارة جزء من روح الأرض من جلال البرّيّة من السحر الخام. فكّر فيها للحظة: مَن سيُرعب الغابة إذا مات ظلّها؟

النمر في الثقافة والخيال

    النمر؟ آه، لم يكن يومًا مجرّد لحم ودم يتجوّل في الغابات. كان ظلًّا على جدار معبد، نقشًا في حلم كاهن، وصرخةً مكتومة في قلب أسطورة لم تُروَ كاملة.

    في ثقافاتٍ بعيدة، كان يُرسم لا ليتزيّن الجدار، بل ليُخيف الأرواح الرديئة. كان يُعبَد، يُخشَى، يُتوسَّل إليه أحيانًا. قوّته؟ ليست عضلات. صبره؟ ليس بطئًا. هيبته؟ لا تُقاس.

    الأدب؟ ملأه النمر بصمته. تسلّل إلى القصص كأنّه يُراقب القارئ من بين السطور، لا ككائنٍ جانبي، بل كحضور طاغٍ يُربك كل ما حوله. لا يتكلّم... لكنه يُقنع. لا يزأر... لكنّه يُسيطر.

    وربما... ربما كل ما في النمر يهمس بأنّه لم يُخلق ليكون عاديًا. هو نادر، لا لأنّه قليل. بل لأنّ من يُشبهه؟ لا أحد.

كلمة أخيرة..

    وكأنّ الحديث عن النمر يمكن أن يُختَتم بكلمة. هو ليس موضوعًا يُلخَّص. هو شعور. ظلّ. رعشة تمرّ في قلب الغابة حين تهمس الأشجار: "مرّ من هنا". النمر لا يُدرَس فقط.. يُحسّ. يُراقَب بصمت، كأنك تخاف أن يُدرك أنك تحاول فهمه.

    إن كان لا بدّ من خلاصة، فلتكن هذه: النمر ليس مفترسًا فقط. هو تجسيد لما تفعله الطبيعة حين تخلط الجمال بالقسوة، الرقة بالفتك، الصمت بالعاصفة. هو لوحة تمشي. موسيقى صامتة. أقرب إلى أسطورة حيّة، منها إلى مجرّد كائن يبحث عن فريسة.

    وعندما نُلوّث موطنه، نُقلّل فرص بقائه، نُلاحقه بجشعٍ أعمى. نحن لا نؤذي النمر فقط. نحن نُخدش روح هذا الكوكب.

    فاحفظه... لا كمجموعة معلومات في ذهنك، بل كوصيّة في قلبك. النمر ليس تفصيلة في الطبيعة، بل هو جزء من توقيعها. وربما، من دون هذا التوقيع... لا يعود للغابة معنى.

تعليقات

عدد التعليقات : 0